الخميس، 15 يناير 2009

في سكون الليل .. قصة قصيرة




في سكون الليل*
بقلم : علاء محمود


تلفح بعبائة الليل السوداء وهو يتقدم في بطء متعكزا على الجدار. شعرت أنامله بأسياخ الحديد التي كشفت عنها الكتلة الخرسانية. وتسللت إلى أنفه رائحة الشواء الشنيعة. تأمل الطريق أمامه الذي تكشف على ضؤ القمر المختنق بنتف السحب.. تأمل المنازل.. منازل نصف متهدمة، ومنازل فقدت أدوارها العلوية.. منازل ذهبت عنها جدرانها، ومنازل تنفث دخان أسود. الطريق نفسه امتلأ بأشكال من الحفر.. حفر بحجم كرة قدم، وحفر بحجم عمائر.. حتى الجثث أختلفت ألوانها.. لكنه واصل المسيرة، وتقدم بكل إصرار. فهو أبدا لن يتراجع.. لقد حسم أمره تماما.

دنى أكثر من مبتغاه، وشعر عندما أقترب بعضلة قلبه ترتجف، وبأعصابه تهتز.. هو ليس بجبان.. لكنه رغما عنه متوتر، ورغما عنه أيضا دار شريط من الذكريات في عقله.. ليرى صورا تتتابع كالبرق.. صور بلون الدم.. نار ودمار.. عجائز قتلى وأطفال.. شهداء أبرار.. أيام عذاب وحصار.. ثم استقرت صورة واحدة.. صورة حبيبته وهي تبكي بألم وتهتف متوسلة:

- ألا يوجد طريق آخر ؟

- نعم

- سأتعذب من ألم الفراق

- وستفرحين بما سأذهب إليه؟

- سأفقدك كما فقدت عائلتي.

- وستربحين وطنا.


توقفت ذكرياته عند هذا الحد.. وأخذ نفسا عميقا ثم تلا الشهادة، وشعر بثقة تغمر نفسه وروحه.. ثم تقدم بإصرار حذر.. وتلاشى في غياهب الظلام.. بعد برهة دوى إنفجار هائل مزق سكون الليل.. وأضاء سماء المنطقة بنيران كالجحيم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* تم نشرها في موقع القصة العربية ، وموقع بص وطل تحت إسم واحد منهم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق